خطبة الجمعة بعنوان : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 25 ربيع الآخر 1447هـ ، الموافق 17 أكتوبر 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 25 ربيع الآخر 1447هـ ، الموافق 17 أكتوبر 2025م
تحميل خطبة الجمعة القادمة 17 أكتوبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 أكتوبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 أكتوبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 17 أكتوبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ : كما يلي:
أولًا: منزلةُ القولِ الحسنِ وثمرتُهُ في الدنيا والآخرةِ.
ثانيًا: آداب الحوار والاختلاف في الإسلام
ثالثًا: صور من أدب الصحابة والعلماء في الاختلاف واستيعاب الآخر.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 17 أكتوبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: كما يلي:
خطبةٌ بعنوان: بالتي هي أحسن.
25 ربيع الثاني 1447هـ – 17 أكتوبر 2025م
المـــوضــــــــــوعُ
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أولًا: منزلةُ القولِ الحسنِ وثمرتُهُ في الدنيا والآخرةِ.
لقد دعانَا الدينُ الإسلاميُّ الحنيفُ إلى القولِ الحسنِ للناسِ جميعًا مسلمينَ وغيرَ مسلمينَ، قالَ تعالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}. (البقرة: 83)، يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ: ” أَيْ: كَلِّمُوهُمْ طَيِّبًا وَلِينُوا لَهُمْ جَانِبًا… فاللهُ تعالَى يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا، بَعْدَ مَا أَمَرَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ بِالْفِعْلِ، فَجَمَعَ بَيْنَ طَرَفَيِ الإحسانِ الفعلِي والقولِي”. (تفسير ابن كثير). ويقولُ الفخرُ الرازِيُّ: “مِنَ المَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أنَّهُ إذا أمْكَنَ التَّوَصُّلُ إلى الغَرَضِ بِالتَّلَطُّفِ مِنَ القَوْلِ لَمْ يَحْسُنْ سِواهُ، فَثَبَتَ أنَّ جَمِيعَ آدابِ الدِّينِ والدُّنْيا داخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: {وقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنًا}. (مفاتيح الغيب). وقالَ تعالَى: { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. (الإسراء: 53)، وقالَ تعالَى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. (العنكبوت: 46)، وقالَ تعالَى في شأنِ دعوةِ سيدِنَا موسَى وهارونَ لفرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى}. [طه: ٤٤]. يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ:” هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا عِبْرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهُوَ أَنَّ فِرْعَوْنَ فِي غَايَةِ العتو والاستكبار…، وَالْحَاصِلُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ أَنَّ دَعْوَتَهُمَا لَهُ تَكُونُ بكلام رقيق، لين سهل رفيق، لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ وَأَنْجَعَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}”.أ.ه وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34]. قالَ الإمامُ الطبريُّ رحمهُ اللهُ: «ادفعْ بحلمِكَ جهلَ من جهلَ عليكَ، وبعفوكَ عمّن أساءَ إليكَ إساءةَ المسيءِ، وبصبرِكَ عليهم مكروهَ ما تجدُ منهم». (جامع البيان).
كما حفلتْ السنةُ النبويةُ المطهرةُ بالعديدِ مِن الأحاديثِ الي تدعُو إلى حسنِ القولِ ولينِ الكلامِ وسلامةِ اللسانِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ». (متفق عليه). كمَا أنَّ لينَ الكلامِ طريقٌ إلى الجنةِ فعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لِمَنْ أَطَابَ الكَلاَمَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ”.(الترمذي وابن حبان بسند حسن).
ولنا القدوةُ الحسنةُ في الرسولِ ﷺ الذي قالَ فيهِ ربُّهُ جلَّ وعلا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. (آل عمران: 159)، فقد كانَ ﷺ يتعاملُ بلينِ الكلامِ مع المسلمِ وغيرِ المسلمِ، فعن عَائِشَةَ، أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ، فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ» فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ».(متفق عليه). ” قال القاضِي: هذا الرجلُ هو عيينةُ بنُ حصن، ولم يكنْ أسلمَ حينئذٍ وإنْ كان قد أظهرَ الإسلامَ، فأرادَ النبيُّ ﷺ أنْ يُبيّنَ حالَهُ ليعرفَهُ الناسُ ولا يغترَّ بهِ مَن لم يعرفْ حالَهُ، وكان منهُ في حياةِ النبيِّ ﷺ وبعدَهُ ما دلَّ على ضعفِ إيمانِهِ وارتدَّ مع المرتدينَ، وجيءَ بهِ أسيرًا إلى أبِي بكرٍ رضي اللهُ عنه. ووصفُ النبيِّ ﷺ لهُ بأنَّهُ بئسَ أخو العشيرةِ مِن أعلامِ النبوةِ لأنّهُ ظهرَ كما وصفَ، وإنّمَا ألانَ لهُ القولَ تألفًا لهُ ولأمثالِهِ على الإسلامِ”.(شرح النووي على مسلم).
أختمُ هذا العنصرَ بهذه القصةِ التي تدلُّ على ثمرةِ الكلمةِ الطيبةِ: يُحكَى أنَّ كسرَى ملكَ فارسٍ أعلنَ في الدولةِ بأنَّ مَن يقولُ كلمةً طيبةً فلهُ جائزةٌ ألفُ دينار، وفي يومٍ كان الملكُ يسيرُ بحاشيتِهِ في المدينةِ إذ رأى فلاحاً عجوزاً في التسعيناتِ مِن عمرِهِ وهو يغرسُ شجرةَ زيتونٍ، فقالَ لهُ الملكُ: لماذا تغرسُ شجرةَ الزيتونِ وهي تحتاجُ إلى كذا سنةٍ لتثمرَ وأنتَ عجوزٌ في التسعينَ مِن عمرِكَ، وقد دنَا أجلُكَ؟! فقالَ الفلاحُ العجوزُ: السابقونَ زرعُوا ونحنُ حصدنَا، ونحنُ نزرعُ لكي يحصدَ اللاحقون! فقالَ الملكُ: أحسنتَ فهذه كلمةٌ طيبةٌ فأمرَ أنْ يعطوهَ ألفَ دينارٍ فأخذهَا الفلاحُ العجوزُ وابتسمَ… فقالَ الملكُ: لماذا ابتسمتَ؟! فقالَ الفلاحُ: لأنَّ شجرةَ الزيتونِ تثمرُ بعدَ كذَا سنةٍ وشجرتِي أثمرتْ الآنَ! فقالَ الملكُ: أحسنتَ أعطوهُ ألفَ دينارٍ أخرَى، فأخذَهَا الفلاحُ وابتسمَ! فقالَ الملكُ: لماذا ابتسمتَ؟! فقالَ الفلاحُ: لأنَّ شجرةَ الزيتونِ تثمرُ مرةً في السنةِ وشجرتِي أثمرتْ مرتينِ!! فقالَ الملكُ: أحسنتَ أعطوهُ ألفَ دينارٍ أخرَى؛ ثمَّ تحرّكَ الملكُ بسرعةٍ مِن عندِ الفلاحِ، فقالَ لهُ رئيسُ الجندِ: لماذَا تحركتَ بسرعةٍ؟ فقالَ الملكُ: إذا جلستُ إلى الصباحِ فإنَّ خزائنَ الأموالِ ستنتهِي وكلماتِ الفلاحِ العجوزِ لا تنتهِي!
فالكلمُ الحسنُ الطيبُ يثمرُ دائماً!
ثانيًا: آداب الحوار والاختلاف في الإسلام
ينبغي للمحاورُ المختلفُ مع صاحبِه -إذا أراد أن يكون حوارُه ناجحًا- أن يتحلى بصفاتٍ وآدابٍ للمحاورِ الناجحِ؛ كأن يكون متواضعًا هادئًا سلسًا مخلصًا؛ حسنَ الإلقاءِ بعيدًا عن رفعِ صوتِه، فقد كان النبي ﷺ -كما نقلت عائشةُ رضي اللهُ عنها-: “يُحدِّثُ حديثًا لو شاء العادُّ أن يُحصِيَه لأحصاه، لم يكن يسرِدُ الحديثَ كسردِكم” [البخاري ومسلم]. فلا بدَّ للمحاورِ من التجردِ في طلبِ الحقِ، والحذرِ من التعصبِ والهوى، وإظهارِ الغلبةِ والمجادلةِ بالباطلِ.
وعلى المحاورِ كذلك: أن يرتبَ أفكارَه التي سيطرحُها على محاورِه، وأن يكون ذا علمٍ وفهمٍ، حتى لا يخذلَ الحقَّ بضعفِ علمِه، وحتى لا يقتنعَ هو بالباطلِ الذي مع خصمِه، لجهلِه وضعفِ علمِه، وقد ذم اللهُ عز وجل الذين يجادلون في اللهِ بغيرِ علمٍ، فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}( الحج: 8 )
ومن آدابُ المحاورِ: أن يكون همُهُ طلبُ الحقِ وإيصالهُ للآخرينَ، وليس الانتصارُ للنفسِ. يقول الإمامُ الشافعيُ: “ما ناظرتُ أحدًا قط، إلا أحببتُ أن يوفَّق ويسدّد ويعان ويكون عليه رعايةٌ من اللهِ وحفظٌ، وما ناظرتُ أحدًا، إلا ولم أُبالِ بيّن اللهُ الحقَ على لساني أو لسانِه” [أبو نعيم في الحليةِ]. ويقول الإمامُ أبو حامدٍ الغزاليُ: “أن يكون المحاورُ في طلبِ الحقِ كناشدِ ضالةٍ، لا يفرقُ بين أن تظهر الضالةُ على يدهِ، أو على يدِ من يعاونهُ، ويرى رفيقَه معينًا لا خصمًا، ويشكرهُ إذا عرفهُ الخطأ وأظهر له الحقَ“.
ويضافُ إلى الصفاتِ السابقةِ للمحاورِ صفاتُ الذكاءِ وسرعةُ البديهةِ والقدرةُ على دحضِ الشبهاتِ.
ولنضرب مثلًا الإمامَ الشافعيَ؛ ففي يومٍ من الأيامِ، ذهب أحدُ المحاورينَ المجادلينَ إلى الإمامِ الشافعيِ، وقال له: كيف يكون إبليسُ مخلوقًا من النارِ، ويعذبهُ اللهُ بالنارِ؟! ففكر الشافعيُ قليلًا، ثم أحضر قطعةً من الطينِ الجافِ، وقذف بها الرجلَ، فظهرت على وجههِ علاماتُ الألمِ والغضبِ. فقال له الشافعيُ: هل أوجعتكَ؟! قال: نعم، أوجعتني. فقال الشافعيُ: كيف تكون مخلوقًا من الطينِ ويوجعكَ الطينُ؟! فلم يرد الرجلُ وفهم ما قصدهُ الإمامُ الشافعيُ، وأدرك أن الشيطانَ كذلك: خلقهُ اللهُ من نارٍ، وسوف يعذبهُ بالنارِ.
وذاتَ يومٍ جاء بعضُ الناسِ إلى الإمامِ الشافعيِ، وطلبوا منه أن يذكر لهم دليلًا على وجودِ اللهِ عز وجل. ففكر لحظةً، ثم قال لهم: الدليلُ هو ورقةُ التوتِ. فتعجب الناسُ من هذه الإجابةِ، وتساءلوا: كيف تكون ورقةُ التوتِ دليلًا على وجودِ اللهِ؟! فقال الإمامُ الشافعيُ: “ورقةُ التوتِ طعمُها واحدٌ؛ لكن إذا أكلها دودُ القزِ أخرج حريرًا، وإذا أكلها النحلُ أخرج عسلًا، وإذا أكلها الظبيُ أخرج المسكَ ذا الرائحةِ الطيبةِ.. فمن الذي وحّد الأصلَ وعدد المخارجَ؟! إنه اللهُ سبحانهُ وتعالى خالقُ الكونِ العظيمِ!”.
ثالثًا: صور من أدب العلماء في الاختلاف واستيعاب الآخر.
إن الاختلافَ سنةٌ إلهيةٌ ولا حرجَ في أن يختلف الناسُ في العقيدةِ والرأيِ؛ قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ }( هود: 118؛ 119)، ولكن الحرجَ في التعصبِ المذمومِ وهى محاولةُ إيجادِ الفرقةِ بين الناسِ علي أساسِ الدينِ أو الجنسِ أو اللونِ أو العرقِ أو الدمِ.
وأسوقُ لكم صورًا من اختلافِ العلماءِ والفقهاءِ وموقفِهم من ذلكَ:
– ذاتَ مرةٍ اختلف الشافعيُ في مسألةٍ مع رجلٍ اسمه يونسُ، وكان خلافًا شديدًا، وافترقا، ثم التقيا بعد سنةٍ .. فأمسك الشافعيُ بيدهِ، وقال: يا أبا موسى ألا يستقيمُ أن نختلفَ في مسألةٍ ونظلَ متحابينَ؟ نظر إليه وقال أبو موسى: واللهِ يا شافعيُ معك نصفُ عقلِ أهلِ الدنيا. فعادا متحابينَ.
– في مذهبِ الشافعيِ رفعُ اليدينِ أثناءَ الصلاةِ في التكبيراتِ، لكنه حين ذهب إلى العراقِ وصلى في مسجدِ أبي حنيفةَ لم يرفع يدَيه ..لماذا؟ أجاب الشافعيُ عن ذلك فقال: احترامًا لصاحبِ هذا القبرِ.
كذلك عند الإمامِ الشافعيِ القنوتُ في الفجرِ وهذه سنةٌ غيرُ موجودةٍ عند الحنفيةِ، أي الدعاءُ عند القيامِ من الركوعِ الثاني، والإمامُ الشافعيُ عندما صلى الفجرَ في مسجدِ أبي حنيفةَ لم يقنت، وحين سألوه قال: أيضًا ذلك من احترامِ صاحبِ هذا المقامِ، والشافعيُ عنده أولوياتٌ، فتركُ السننِ ليس عليه إثمٌ، وفعلُها عليه أجرٌ.
وهو قد سن السننَ الصالحةَ في المجتمعِ كالاحترامِ والتوقيرِ، وهي سنةٌ أكبرُ من التعبدِ الشخصيِ، لأنها تعطي مثالًا للآخرينَ، وتعلم الناسَ على مدى واسعٍ. وهو هنا يرى أنه يخسر أجره عن سنةٍ أصغرَ ليكسب أجرًا عن سنةٍ أكبرَ، جمع فيها الناسَ، والتنازلُ هنا لا يضرُ بل ينفعُ.
حينما اختلف الناسُ في الجامعِ الأزهرِ على عددِ ركعاتِ صلاةِ التراويحِ وكادوا يقتتلونَ، فاتصلوا بأحدِ علماءِ الأزهرِ يسألونه في ذلكَ؟ فقال: عليكم بغلقِ المسجدِ وعدمِ صلاةِ التراويحِ اليومَ، لأن اجتماعَ المسلمينَ ووحدتَهم وعدمَ اختلافِهم وتفرقِهم فرضٌ وواجبٌ، وصلاةُ التراويحِ سنةٌ؛ والفرضُ مقدمٌ على السنةِ.
قارن بين ذلكَ وبين ما يدور في هذه الأيامِ من خلافٍ وشقاقٍ في بعضِ المسائلِ والأفكارِ، فكم من اختلافٍ وقع في الجمعةِ والفجرِ أذانٌ واحدٌ أم اثنانَ؟! وفي القنوتِ في الصبحِ!! وفي الوترِ في رمضانَ الثلاثِ ركعاتٍ بتشهدٍ واحدٍ أم اثنينَ؟!! وكذلكَ الاختلافُ في الفكرِ والعقيدةِ والانتماءِ الحزبيِ والسياسيِ! وصدق اللهُ حيثُ يقول: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم: 32).
وهكذا تصيرُ الخلافاتُ مدعاةً للفرقةِ والتشاحنِ والتباغضِ!! وقد أحسن أميرُ الشعراءِ أحمدُ شوقي حين قال:
إِلاَمَ الخُلْفُ بَيْنَكُمُ إِلاَمَا …………… وَهَذِي الضَّجَّةُ الكُبْرَى عَلاَمَا
وَفِيمَ يَكِيدُ بَعْضُكُمُ لِبَعْضٍ …………… وَتُبْدُونَ العَدَاوَةَ وَالخِصَامَا
إِذَا كَانَ الرُّمَاةُ رُمَاةَ سَوْءٍ …………….. أَحَلُّوا غَيْرَ مَرْمَاهَا السِّهَامَا
إذن: الاختلافُ في طبائعِ البشرِ وفي قدراتِهم وفيما أودع اللهُ فيهم من عقلٍ وفهمٍ، وتفاوتُهم في ذلكَ وامتيازُ كلٍّ منهم في أمرٍ دون الآخرينَ؛ كلُّ هذا من أسبابِ الاختلافِ، لكنها أسبابٌ لا تؤدي بطبيعتِها إلى الخروجِ عن أدبِ الخلافِ، وعلى كلِّ واحدٍ أن يقفَ عند الحدِّ الذي شرعه اللهُ تعالى لعبادِه.
إنه في ظلِّ الإسلامِ وبوحيٍ من أدبِه العالي يتجه المسلمُ إلى الآخرينَ بقلبٍ مفتوحٍ، مهما كانت ديانةُ هؤلاءِ الآخرينَ، فاختلافُ الدينِ لا يفسدُ للودِّ قضيةً، ولا مانعَ أن يمدَّ المسلمُ يدَه بالبرِّ والعدلِ إلى من خالفه في العقيدةِ، ليتمَّ بهذا البرِّ لونٌ من التعايشِ السلميِّ، وبحكمِ الإنسانيةِ الجامعةِ لسنا أضدادًا؛ حتى نكونَ بالضرورةِ مختلفينَ، ولكننا نختلفُ وليس كلُّ مختلفينَ ضدينَ.
فعلى المؤمنينَ مهما اختلفتْ مذاهبُهم، ومهما تعددتْ مشاربُهم، ومهما تنوعتْ آراؤُهم وتباينتْ أفكارُهم أن يتراحموا فيما بينهم، وأن تغشاهم سحبُ المحبةِ، وأن يستظلوا جميعًا بظلالِ الإخاءِ والودادِ، فهم – كما شبههم الرسول ﷺ – جسدٌ واحدٌ، وذلكَ عندما قال: “مَثَلُ المؤمنينَ في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم مَثَلُ الجسدِ، إذا اشتكى منه عضوٌ: تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمى” (البخاري ومسلم).
نسألُ اللهَ أنْ يجمع شملنا وأن يؤلف بين قلوبنا، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.
الدعاءُ،،،، وأقم الصلاةَ،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف